صعود شي جين بينغ- الحلم الصيني، التحديات العالمية، ومواجهة أمريكا

المؤلف: محمود عبد الهادي08.18.2025
صعود شي جين بينغ- الحلم الصيني، التحديات العالمية، ومواجهة أمريكا

في مستهل كلمته أمام الحاضرين عبر الإنترنت في مؤتمر دافوس، استُهل تعريف الرئيس الصيني شي جين بينغ بالإشارة إلى حصوله على شهادة في النظرية الماركسية والتربية الأيديولوجية والسياسية من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة تسينغهوا، بالإضافة إلى شهادة الدكتوراه في القانون. وقد بدأ مسيرته المهنية في عام 1969، وانضم إلى صفوف الحزب الشيوعي الصيني في عام 1974. ويشغل حاليًا مناصب رفيعة المستوى تشمل الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية للحزب، ورئيس جمهورية الصين الشعبية، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية لجمهورية الصين الشعبية.

شي جين بينغ، الذي تعهد ببذل جهود مضنية لتحقيق ما أسماه "الحلم الصيني"، وهو الإحياء العظيم للأمة الصينية ورفعة الشعب نحو حياة كريمة، يرى أن هذه المساعي تتلاقى مع جهود الدول الأخرى لتحقيق السلام والتنمية. وقد قطع وعدًا بتحويل الصين إلى دولة حديثة، متطورة، قوية، ومتفوقة، قادرة على المنافسة والوقوف في وجه التحديات بهدف استعادة مكانتها التاريخية. يقود شي الصين اليوم في مواجهة مع الولايات المتحدة، التي تسعى جاهدة لعرقلة تقدم الصين ومنعها من التنافس على الصدارة والقيادة العالمية. فمن هو شي جين بينغ، الذي سيبلغ عامه السبعين قريبًا؟ وكيف وصل إلى هذه المنزلة الرفيعة؟ وهل سيتمكن من إتمام مسيرة تحقيق "الحلم الصيني"؟ أم ستتلاشى آماله في خضم المواجهات المحتدمة مع الولايات المتحدة؟

لقد صرح الرئيس الصيني قائلًا: "علينا أن نتبع دفة التاريخ، وأن نسعى جاهدين من أجل إرساء نظام دولي راسخ، وأن ننادي بالقيم الإنسانية النبيلة المشتركة، وأن نعمل بدأب على بناء مجتمع عالمي ذي مصير مشترك للبشرية جمعاء. يجب علينا أن نفضل الحوار البناء على المواجهة المدمرة، والشمولية الجامعة على الإقصاء المفرق، وأن نناهض بكل قوة كافة أشكال الأحادية الضيقة، والحمائية المقيدة، والهيمنة المستبدة، وسياسات القوة الغاشمة."

رؤى متضاربة: كتاب مقابل كتب

في عام 2014، تم نشر كتاب شي جين بينغ تحت عنوان "حوكمة الصين"، وهو عمل ضخم يمتد لأكثر من 500 صفحة، وقد تُرجم إلى لغات عديدة، من بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية والعربية. يقدم هذا الكتاب للعالم رؤى وأفكار الزعيم الصيني الصاعد، والطموحات التي يسعى إلى تحقيقها، والتي تجسدت في كلماته وخطاباته الرئيسية في مختلف المناسبات. تتلخص أبرز هذه الأفكار في النقاط التالية:

  • التأكيد على الخصائص الفريدة للنظام الاشتراكي الصيني، وضرورة التمسك به وتطويره باستمرار.
  • إبراز الأهمية المحورية للحزب الشيوعي الصيني، وضرورة توسيع نفوذه وتعزيز الانتماء إليه.
  • اعتبار "الحلم الصيني" تجسيدًا لطموحات الشعب الصيني بأكمله، والتأكيد على أن العمل الجاد الدؤوب هو السبيل الوحيد لتحقيق الأحلام.
  • التركيز على تحقيق تطلعات الشباب، وتشجيعهم على تبني القيم الاشتراكية الأساسية منذ نعومة أظفارهم.
  • تبني الإصلاح الشامل والعميق مع الانفتاح على العالم، رغم ما يكتنف ذلك من صعوبات جمة.
  • الالتزام بالمبادئ التوجيهية الراسخة للحزب الشيوعي الصيني.
  • السعي إلى تحقيق نمو اقتصادي حقيقي ومستدام، بعيدًا عن التضخم المصطنع، والانفتاح على العالم الخارجي على نطاق أوسع.
  • التمسك الراسخ بسيادة القانون والدستور.
  • تطوير الدولة والحكومة والمجتمع على أسس قانونية متينة.
  • تعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان حياة كريمة وسعيدة لجميع أفراد الشعب.
  • تعزيز القوة الثقافية والفكرية الناعمة للمساهمة في تحقيق "الحلم الصيني".
  • إعلاء شأن حياة الشعب، وبالتالي ضرورة القضاء على الفقر، وتسريع وتيرة التنمية في المناطق الفقيرة، وتوفير تعليم أفضل وأكثر عدالة لجميع أفراد الشعب الصيني الذي يتجاوز تعداده 1.3 مليار نسمة.
  • بناء الصين لتصبح قوة إلكترونية عظمى، وتعزيز الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي والتقدم البيئي.
  • تبني شعار "دولة واحدة ونظامان" لتنظيم العلاقة مع هونغ كونغ وماكاو، في إطار دولة الصين الواحدة.
  • التعامل مع العلاقات عبر المضيق بما يخدم المصالح العليا للأمة الصينية جمعاء.
  • العمل على تحقيق التنمية السلمية القائمة على المصالح المتبادلة.
  • اتباع نهج حصيف ومتناسق ومتوازن للأمن النووي.
  • تأسيس نموذج جديد للعلاقات بين الدول الكبرى، وخاصة بين الصين والولايات المتحدة.
  • بناء جسور من الصداقة والتعاون عبر القارة الأوروبية الآسيوية وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، بالاعتماد على الصدق والإخلاص والثقة والاحترام المتبادل، وتعزيز التعاون الصيني العربي.
  • العمل سويًا لبناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" للقرن الحادي والعشرين.
  • بناء عالم يقوم على العلاقات المتعددة الأطراف، من أجل مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا لآسيا والعالم أجمع.
  • التشجيع على الاجتهاد والادخار، ومحاربة الإسراف والتبذير، ومكافحة الفساد بكل أشكاله.
  • التأكيد على ضرورة "تقييد" السلطة، فالاستفادة من الحكمة التاريخية يساعد في مكافحة الفساد والتمسك بالنزاهة، وتحسين سلوك الحزب الشيوعي الصيني، وترسيخ التخطيط والاستشراف من أجل مستقبل أكثر إشراقًا.

عندما تم إصدار هذا الكتاب، تعاملت معه بعض الأقلام الغربية بقدر من السخرية والاستخفاف، نظرًا لما تضمنه من أحلام طوباوية وشعارات براقة، وتمجيد للزعيم الشيوعي الذي يتربع على عرش نظام شمولي مستبد، يصادر الحريات ولا يكترث بحقوق الإنسان. ولكن هذه الأقلام نفسها سرعان ما غيرت لهجتها، حين بدأت تتابع عن كثب النهضة الصينية وهي تسير بخطى حثيثة نحو تحقيق "الحلم الصيني"، حلم شي جين بينغ. وقد دفع ذلك العديد من الكتاب والباحثين ومراكز الدراسات في الغرب إلى إصدار عشرات الكتب ومئات الدراسات عن شخصية شي جين بينغ، الذي أصبح منافسًا شرسًا، وتهديدًا محتملًا على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري. ومن بين هذه الكتب والدراسات على سبيل المثال:

  • تحديث الصين: من تشينغ العظيم إلى شي جين بينغ
  • الثورة الثالثة: شي جين بينغ والدولة الصينية الجديدة
  • الرئيس التنفيذي، الصين: صعود شي جين بينغ
  • اتباع الزعيم: الصين الحاكمة، من دنغ شياو بينغ إلى شي جين بينغ
  • الصين في عصر شي جين بينغ
  • كرنفال الصين: الصين في عصر هو جينتاو وشي جين بينغ
  • السياسة الصينية في عصر شي جين بينغ: إعادة تقييم القيادة الجماعية
  • إعادة تشكيل الجيش الصيني: أدوار جيش التحرير الشعبي ومهامه في عصر شي جين بينغ
  • إصلاحات القانون الاشتراكي في الصين في عهد شي جين بينغ
  • الصين تحت حكم شي جين بينغ: تحدياتها الاقتصادية ومبادرات السياسة الخارجية
  • داخل عقل شي جين بينغ
  • شي جين بينغ على المسرح العالمي

تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الصيني، إبان دراسته للهندسة، كان يجمع بين مسؤولياته كطالب، وعامل، وفلاح، وجندي. فالمتخصصون في الهندسة كانوا يقضون أوقاتهم في دراسة الماركسية اللينينية وفكر "ماو تسي تونغ"، والعمل في المزرعة، والتمرن في صفوف جيش التحرير الشعبي.

نصف قرن في رحاب السياسة والحزبية

تشبع شي جين بينغ بروح السياسة والقيادة والولاء الحزبي منذ نعومة أظفاره. فقد ولد في بكين عام 1953، وقضى طفولته المبكرة في كنف الرفاهية النسبية التي يتمتع بها سكان المجمع السكني المخصص للنخبة الحاكمة في الصين، وذلك في أحضان والدته "كي شين" ووالده "شي تشونغ شون"، الذي تقلد سلسلة من المناصب الرفيعة بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 على يد ماو تسي تونغ، من بينها رئيس الدعاية للحزب، ونائب رئيس الوزراء، ونائب رئيس المؤتمر الوطني لنواب الشعب. إلا أنه كان في كثير من الأحيان غير مرغوب فيه من قبل الحزب والحكومة، بسبب انتقاده الصريح لتصرفات الحكومة، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله وإيداعه السجن عام 1968، لتنقلب حياة شي الوادعة المستقرة رأسًا على عقب قبل أن يكمل دراسته الثانوية.

انخرط شي في سوق العمل عام 1969 في المجتمعات الزراعية، حيث نجح في بناء علاقة جيدة وقائمة على الثقة المتبادلة مع الفلاحين المحليين، الأمر الذي ساهم في ترقيته في صفوف الحزب الشيوعي الصيني. فالتحق بالشبيبة الشيوعية عام 1971 بعد رفض طلبه سبع مرات متتالية، ثم انضم إلى الحزب الشيوعي الصيني عام 1974 في المحاولة العاشرة لطلب الانضمام، وذلك على خلفية سلوك والده واعتقاله. ولهذا السبب، كان شي، على عكس والده، يتمتع بقدر كبير من الحكمة والالتزام الصارم بتوجهات الحزب.

حصل شي على درجة البكالوريوس في الهندسة الكيميائية من جامعة "تسينغهوا" في بكين عام 1979. وكان أثناء دراسته يجمع بين مهامه كطالب، وعامل، وفلاح، وجندي، حيث كان المتخصصون في الهندسة يمضون أوقاتهم في دراسة الماركسية اللينينية وفكر "ماو تسي تونغ"، والعمل في المزرعة، والتمرن في صفوف جيش التحرير الشعبي. ثم واصل شي تعليمه لاحقًا ليحصل على درجة الدكتوراه في القانون من معهد العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة "تسينغهوا" عام 2002.

خلال مسيرته المهنية في الحكومة والحزب، بعد تخرجه في الجامعة وحتى عام 2007، شغل شي العديد من المناصب الحزبية والحكومية الرفيعة في مقاطعات عدة، فعمل سكرتير لجنة في الحزب الشيوعي الصيني، وحاكمًا لمقاطعة، ووزيرًا في الدولة. كما شغل منصب رئيس المدرسة المركزية للحزب عام 2007، وهي أهم مؤسسة لتدريب المسؤولين وإعداد الأبحاث الأيديولوجية والسياسية في الحزب الشيوعي الصيني.

في مارس/آذار 2007، عُيّن شي سكرتيرًا للحزب في شنغهاي، ثم نُقل إلى بكين في العام نفسه، ليعمل عضوًا في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، والسكرتير التنفيذي لأمانة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

في مارس/آذار 2008، انتُخب شي نائبًا لرئيس جمهورية الصين الشعبية، فتولى مسؤولية الإعداد للألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008 في بكين، واحتفالات إحياء الذكرى الستين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 2009. وفي عام 2010، أصبح نائبًا لرئيس اللجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ونائبًا لرئيس اللجنة العسكرية المركزية لجمهورية الصين الشعبية.

في عام 2012، أصبح شي الأمين العام للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، وعضوًا في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، ورئيسًا للجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي الصيني. وفي عام 2013، انتُخب شي رئيسًا للجنة العسكرية المركزية لجمهورية الصين الشعبية ورئيسًا للصين. وفي عام 2014، أصبح شي رئيسًا للجنة الأمن القومي الصيني الجديدة.

في عام 2017، شغل شي منصب الأمين العام للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، وعضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

في كلمته التي ألقاها في مؤتمر دافوس في يناير/كانون الثاني من العام الجاري، أكد شي على أنه "يجب أن نتبع اتجاه التاريخ، وأن نسعى جاهدين من أجل إرساء نظام دولي راسخ، وأن ننادي بالقيم الإنسانية النبيلة المشتركة، وأن نعمل بدأب على بناء مجتمع عالمي ذي مصير مشترك للبشرية جمعاء. يجب علينا أن نفضل الحوار البناء على المواجهة المدمرة، والشمولية الجامعة على الإقصاء المفرق، وأن نناهض بكل قوة كافة أشكال الأحادية الضيقة، والحمائية المقيدة، والهيمنة المستبدة، وسياسات القوة الغاشمة."

إلا أن الولايات المتحدة لا تصغي لمثل هذه الخطابات، فهي تدرك تمام الإدراك ما الذي سيعنيه لها إتمام تحقيق "الحلم الصيني"، وخاصة تحت قيادة زعيم صيني فذ مثل شي جين بينغ، بعد النجاحات الباهرة التي حققها في شتى المجالات، وبعد المكانة الرمزية التي اكتسبها على مستوى الحزب الشيوعي الصيني والشعب الصيني بأسره، والتي رفعته إلى مرتبة قريبة من رمزية الزعيم الصيني المؤسس ماو تسي تونغ.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة